الدرس في كتاب الطهارة 28، ألقاها
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ثم أما بعد، مضى معنا في الدرس الماضي المسألة الثانية من باب النجاسات وكيفية تطهيرها، ومر معنا الكلام على بول الآدمي وعذرته وقائه، وأن القيء ليس بنجس، وكذلك مر الكلام على الدم المسفوح، وكذلك بول وروث كل حيوان غير مأكول اللحم، وكذلك الميت والمذي. وتقدم ذكر أدلة نجاسة ما ذُكر بأنه نجس، وبيان عدم نجاسة ما لم يثبت بأنه نجس.
بقيت الميتة. قد يقول قائل: الدليل الذي استُدل به على أن الميتة نجس هو الدليل الذي استُدل به على أن الدم المسفوح نجس. وقد تقدم أن بعض أهل العلم قالوا بأن الضمير إنما يرجع إلى الخنزير فحسب. فما هو الدليل إذن على نجاسة الميتة؟ الجواب: أولاً الإجماع، فلا خلاف بين أهل العلم في أن الميتة نجسة. والثاني مما يستدل به على نجاستها ما جاء في صحيح مسلم وغيره من حديث ابن عباس وميمونة في قصة شاة ميمونة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى تلك الشاة يجرونها فقالا: هل انتفعتم بها؟ فقالوا: يا رسول الله، إنها ميتة. فقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (جاء في خارج الصحيح عند أبي داود وغيره): "يطهرها الماء والقرض." وفي رواية أخرى: "ذكاةها طهورها." وكذلك جاءت ألفاظ عامة: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر." فقوله صلى الله عليه وسلم "فقد طهر" يدل على أنه كان متنجساً بالموت، والله أعلى وأعلم.
طيب، والمذيق تقدم الكلام عليه. بقي الأمر السادس وهو الودي. قالوا: الودي وهو ماء أبيض سميك يخرجه الرجل بعد البول. ومن أصابه فإنه يغسل ذكره ويتوضأ، ولا يغتسل. بمعنى أن خروج الودي نجس، وهو يخرج كما ذكر عقب البول. ومن خرج منه ذلك، فإنه يغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة إن احتاج إلى شيء يوجب الطهارة، والله أعلى وأعلم. والودي نجس بإجماع. نجس بإجماع نقل غير واحد من العلماء أن الودي نجس. السابع: دم الحيض، كما في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إحدىً منّا يصيب ثوبها من دم الحيض. كيف تصنع؟" فقال: "تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه." والحديث، كما ذكر في الحاشية، بأنه متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم "ثم تقرصه" قالوا في الحاشية: "تحكه بطرف حجر أو عود، وتقرصه (أي تدلكه) بأطراف الأصابع والأظافر دلكاً شديداً، وتصب عليه الماء حتى يزول أثره." فالشاهد من هذا أن الحيض نجس. لذا، كما ترون في هذا الحديث، بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية التطهير من دم الحيض إذا وقع في الثوب. والحيض كذلك نجس بإجماع، لا خلاف بين أهل العلم في نجاسة الحيض.
المسألة الثالثة: كيفية تطهير النجاسة. إذا عُلم ما هي النجاسات، بقي ما هي الكيفية التي تُطهر بها هذه النجاسات؟ والكلام هنا على النجاسات الطارئة، وهي المعبر بها عند الفقهاء بالطهارة الحكمية والطهارة الحقيقية أو الذاتية أو العينية. فكما مر معنا بأنها لا تطهر بالمطهرات، ولكن هنا مسألة وهي إن استحالت هذه العين النجسة، فاستحالت، فتغيرت، وخرجت عن حقيقتها إلى حقيقة أخرى، وإلى معنى آخر.
مثلاً، على سبيل المثال، بول كان في التراب فجاءت الشمس وضربت هذا البول حتى تلاشى وذهب أثره. هل يقال: "ما جاء نقساً" أم يقال: "استحال حتى ذهب أثره؟" أيضاً، مثلاً، هناك عذرة أو غائط، أصابه الشمس والريح والتراب حتى تفتت واندثر وخرج عن ماهيته وأصله. هل يبقى على نجاسته؟ الجواب الصحيح من أقوال أهل العلم أن الاستحالة مطهرة، لماذا؟ لأن النجاسة خرجت عن حقيقتها وعن ما هيته إلى حقيقة أخرى. فلذا يُقال فيها بأنها طهرت باعتبار الاستحالة، باعتبار استحالة ذلك الشيء النجس عينا إلى شيء آخر.
فنرجع إلى مسألتنا وهي كيفية تطهير النجاسة. المراد، كما سمعتم، بالنجاسة الحكمية وضابطها هي النجاسة الطارئة على الشيء الطاهر. النجاسة الطارئة على الشيء الطاهر هي النجاسة الحكمية. كما تقدم الإشارة عليه فيما مضى. قالوا: إذا كانت النجاسة في الأرض والمكان، فهذه يكفي في تطهيرها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة. فيصب عليها الماء مرة واحدة، لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعراب الذي بال في المسجد، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه. طيب، هذه الحالة الأولى، وهي إذا كانت النجاسة في الأرض والمكان. فهذا يكفي في تطهيرها غسلة واحدة، وهذا قد نتصوره في أمور، مثلاً، في أرض كانت هذه الأرض مثلاً تراب، مثلما كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، جاء أعرابي فبال، فماذا يُصنع في هذه الحال؟ يُصب فوق ذلك المكان أو الموضع الذي بال فيه ذلك البائل ماء حتى يتأكد من أن الماء استوعب ذلك المكان. فهذا يكفي في تطهيره.
بقي إذا كان المكان مثلما هو اليوم، أي كما عليه اليوم من المساجد التي فيها الفرش وما شابه ذلك، فبماذا تطهر؟ كذلك تطهر بالماء ونحوه مما يزيل عينها، إما بالدلك يعني يحتاج إلى ماء ودلك حتى تذهب أثر تلك النجاسة من بول ونحوه. فالعبرة بزوال عين تلك النجاسة. العبرة بزوال عين تلك النجاسة. يعني إن كان الصب على ذلك الفرش يكفي في زوال تلك العين، فعل ذلك. لكن قد يؤدي إلى إفساد تلك الفرش، فلذا لو صب عليه شيء من الماء ودلكه بسفنجة ونحوها حسن، لأن العبرة بزوال عين النجاسة. وهكذا قل في ما شابه ذلك في الأماكن الأخرى.
طيب، قالوا: إذا كانت النجاسة على غير الأرض، كأن تكون في الثوب أو في الإناء، فإن كانت من كلب ولغ في الإناء، فلابد من غسله سبع غسلات إحداهن بالتراب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب." قالوا: هذا الحكم عام في الإناء وغيره، كالثياب والفرش. هل هناك زيادة في نسختكم على هذا الكلام الذي قرأناه؟ أحد عنده زيادة على ما ذكرناه وقرأناه؟ طيب، الحاصل أن الكلام فيه شيء من النقص، لأن قولهم "إذا كانت النجاسة على غير الأرض، كأن تكون في الثوب أو في الإناء، فإن كانت من كلب ولغ في الإناء، فلابد من غسله سبع مرات، إحداهن بالتراب." فقولهم "فإن كانت" يعني ينبغي أن يقال: "فإن كانت من كلب، يغسل سبع مرات." وإن كانت من غير الكلب، فهذا موضوع مسكوت عليه.
هذا الحكم عام في الإناء وغيره، كالثياب والفرش. بعده ماذا؟ بعده إذا. عندي هذا. هذا ما أريده. كيف؟ لا لا، هذا أمر آخر. طيب، فنرجع إلى مسألتنا. المهم أنه إذا كانت النجاسة على غير الأرض، كأن تكون في الثوب أو في الإناء، فتطهر بالغسل ونحوه. واضح يا جماعة؟ تطهر بالغسل، تطهر بالغسل، ويكفي بالغسلة الواحدة. فإن كانت تلك النجاسة من كلب، أي من ولوغ الكلب، يأتي الحكم الآخر وهو أن الكلب إذا ولغ في الإناء فإنه يغسل ذلك الإناء سبع مرات، أولاهن بالتراب. هذا هو الصحيح في هذا الحكم، أي في مسألة ولوغ الكلب. بمعنى أن الكلب إذا ولغ في الإناء، ما الحكم؟ الحكم أنه يغسل ذلك الإناء سبع مرات، أولاهن بالتراب. هذا الصحيح من أقوال أهل العلم. وفي المسألة خلاف مشهور، طيب، لهذا الحديث، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب." وهناك مسألة في هذه المسألة، وهي: هل تعد الغسلة بالتراب ضمن هذه السبع الغسلات، أم تكون زائدة على السبع الغسلات، بمعنى يغسل الأولى بالتراب، ثم الغسلة الأولى والثانية والثالثة إلى أن يصل إلى سبع؟ أم أن تكون الطراب مرة واحدة؟ خلاف
بين أهل العلم.
الذي رجحه طائفة من المحققين، كالعلامة الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في نيل الأوطار، أن التراب يكون غسلة واحدة ضمن السبع. واستدل على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث معقل بن يسار، وذكر الحديث: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فاغسلوه سبع مرات، أو فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب." فهذا الحديث يبين أن التراب غسلة زائدة على بقية الغسلات السبع. والله أعلى وأعلم.
طيب، قالوا: هذا الحكم عام في الإناء وغيره، كالثياب والفرش. هذا الحكم الإشارة عائدة إلى ماذا؟ الأظهر والله أعلم أنها عائدة إلى الكلب، أي إلى نجاسة الكلب. فيقولون: هذا الحكم عام في الإناء، والإناء النص فيه واضح، وقولهم وغيره، كالثياب والفرش، فيه نظر، وذلك لأن الحديث جاء مقيداً بالإناء، والأصل في الدليل أنه إذا ورد مقيداً فإنه لا يطلق، كما أنه إذا جاء مطلقاً فلا يقيد إلا بدليل. هذا أمر. وأمر آخر أن الأحاديث التي جاء فيها حكم ولوغ الكلب جاءت بألفاظ كلها مؤداها إلى الشرب في الإناء. ففي بعض الروايات: إذا ولغ، وفي بعض الروايات: إذا شرب. وولغ، كما قال العلماء رحمهم الله تعالى، بمعنى أن يحرك لسانه أثناء الشرب. وهذا لا يتأتى في الثياب أو كذلك في الجسد. لا يتأتى هذا الأمر. لا يقال: الكلب ولغ في الثوب. ولا يقال: ولغ في الجسد. فلأجل هذا وذاك، فالحكم لا يتعدى. فإذا لعق الكلب ثوب أحد الناس، أو لعق يده، أو قدمه، أو ما شابه ذلك، يكفي أن يغسله مرة واحدة. وإنما التسبيع في الإناء، والله تعالى أعلى وأعلم.
قالوا: أما نجاسة الخنزير، فالصحيح أنها كسائر النجاسات، يكفي غسلها مرة واحدة تذهب بعين النجاسة، ولا يشترط غسلها سبع مرات. وهذا هو الصحيح، أن الخنزير إذا شرب من الإناء، فلا يفعل به ما يفعل بالكلب. إذا لعق الإنسان أو ثوب الإنسان أو ما شابه ذلك، يكفي في ذلك أن يغسل الإناء أو اليد إذا لعقها، أو الثوب إذا لعقه، يكفي أن يغسله مرة واحدة حتى تزول تلك النجاسة.
قال: وإن كانت النجاسة من البول والغائط والدم ونحوها، فإنها تغسل بالماء مع الفرك والعصر حتى تذهب وتزول، ولا يبقى لها أثر. ويكفي غسلها مرة واحدة. طيب، وإن كانت النجاسة من البول والغائط، وهذا رجوع إلى المسألة الأولى، أي إذا كانت النجاسة على غير الأرض. فذكروا الكلب ثم الخنزير، ثم رجعوا إلى المسألة مرة أخرى، ولو أنهم أتبعوها بها مباشرة ثم ذكروا حكم الخنزير، أي الكلب، ثم ذكروا حكم الخنزير، لكان أحسن.
طيب، قالوا: وإن كانت النجاسة من البول والغائط والدم ونحوها، فإنها تغسل بالماء مع الفرك والعصر حتى تذهب وتزول، أي حتى تذهب عين النجاسة وتزول عين النجاسة، فلا يبقى أثرها. قالوا: ويكفي في غسلها مرة واحدة. ويكفي في غسلها مرة واحدة، أي لا يشترط في هذه الأمور التكرار، بل العبرة بزوال عين النجاسة.
قالوا: ويكفي في تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح، وهو رشه بالماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام." وهذا كما جاء في سنن أبي داود وغيره، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة، وصححه العلامة الألباني. والحديث جاء من حديث أبي سمح رضي الله عنه وأرضاه، أشياء منه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام." والمراد بالغلام، الغلام الذي لم يطعم. وهذا الحديث بهذا اللغة مطلق، لكن قيده حديث فاطمة أو حديث أم قيس بنت محصن، الذي تقدم ذكره في قصة الولد الصغير الذي لم يطعم، الذي بال على حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فبال، فدع النبي صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه ولم يغسله.
قالوا: أما جلد الميتة مأكولة اللحم، فإنه يطهر بالدباغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر." وقد تقدم أن الصحيح من أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى أن الحديث على عمومه، الحديث على عمومه، "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، سواء كان الجلد مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم. والله أعلى وأعلم.
قالوا: ودم الحيض تغسله المرأة من ثوبها بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه، كما تقدم قريباً في حديث أسماء بنت أبي بكر. قالوا: فعلى المسلم أن يهتم بالطهارة من النجاسات في بدنه ومكانه وثوبه الذي يصلي فيه، لأنها شرط لصحة الصلاة. شرط لصحة الصلاة. ولاسيما تطهير الثوب، تطهير الثياب. كما ذكر، على المسلم أن يهتم بالطهارة من النجاسات في بدنه، وكذلك في المكان، يجب عليه أن يطهر المكان الذي يريد أن يصلي فيه، وكذلك في ثوبه إذا أصابه شيء من النجاسة، فإن الواجب عليه أن يطهر ذلك الثوب إذا أراد الصلاة. والله أعلى وأعلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. اشتركوا في القناة.